الجمعة، 29 يوليو 2011

إن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدا "


أخرجه البخاري في عدة مواضع معلقا وموصولا مطولا ومختصرا وله متابعات عند أحمد وغيره

قوله "سأل بعض بني إسرائيل" : قال الحافظ : ولم اقف على اسم هذا الرجل لكن رأيت في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه أن رجلا جاء إلى النجاشي فقال له اسلفنى ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل بك قال الله فأعطاه الألف فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسته الريح فعمل تابوتا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة واستفدنا منه أن الذي اقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الأتباع لهم لا أنه من نسلهم. ا هـ

ورده العيني وأغلظ القول على الحافظ تلميحا لا تصريحا

قلت كلام العيني أوجه وإنما أراد الحافظ بذكر الرواية ندرتها هنا كإيراد الإحتمال في المعدوم . ثم إن الرواية لم تتعرض للذي طلب السلف وإنما ذكرت المقرض فالمقرض كان من المتوكلين على الله تعالى مع أنه خاطر بماله والمقترض أمينا حريصا على رد المال لصاحبه أرسله في اللوح لقوة توكله أيضا مع تحمله تبعات عدم وصوله للمقرض كما في آخر القصة .

فقوله" أن يسلفه " بضم الياء من أسلف إسلافا يقال سلفت تسليفا وأسلفت إسلافا والاسم السلف وهو في المعاملات على وجهين أحدهما القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض غير الأجر والشكر وعلى المقترض رده والعرب تسمي القرض سلفا والثاني هو أن يعطي مالا في سلعة إلى أجل معلوم بزيادة في السعر الموجود عند السلف وذلك منفعة للمسلف ويقال له سلم والمراد ههنا هو المعنى الأول.

قوله" ائتني بالشهداء أشهدهم" : هذا الأصل في تثبيت الحقوق في المعاملات .

قوله " كفى بالله كفيلا، قال: صدقت" : في رواية قال:"نعم" وهي أعظم من الشهداء والمكاتبة . فاما يأتيه حقه في الدنيا وإما يأتيه في الآخرة قد كفله الله تعالى له. في رواية " وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول اللهم اخلفنى وإنما أعطيت لك"

قوله" فأخذ خشبة فنقرها": أي حفرها. وفي رواية "نجر خشبة فجعل المال في جوفها".

قوله " وصحيفة منه إلى صاحبه" : في رواية " من فلان إلى فلان "

قوله " ثم زجج ": قال الحافظ :كذا للجميع بزاى وجيمين .

قال الخطابي أي سوى موضع النقر واصلحه وهو من تزجيج الحواجب وهو حذف زوائد الشعر . ويحتمل أن يكون ماخوذا من الزج وهو النصل كان يكون النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجا ليمسكه ويحفظ ما فيه وقال عياض معناه سمرها بمسامير كالزج أو حشي شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج ـ

قلت والزج هنا سنان الرمح.

قوله "تسلفت فلانا "كذا وقع فيه والمعروف تعديته للمفعول بحرف الجر و في رواية الإسماعيلي "استسلفت من فلان".

قوله "وانى جهدت" : بفتح الجيم والهاء أي بذلت وسعي وعجزت أن أجد مركبا ليوصل المال لصاحبه .

قوله " وإني أستودعكها" : وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستودع الجيش.

قوله "حتى ولجت فيه " بتخفيف اللام أي دخلت في البحر.

قوله "فأخذها لأهله حطبا " فلما نشرها أي قطعها بالمنشار وجد المال وفي رواية " فلما كسرها" وفي رواية " وغدا رب المال يسأل عن صاحبه كما كان يسأل فيجد الخشبة فيحملها إلى أهله فقال اوقدوا هذه فكسروها فانتثرت الدنانير منها والصحيفة فقراها وعرف".

وقوله" حطبا" نصب على أن أخذ من أفعال المقاربة فيعمل عمل كان ويجوز أن يكون منصوبا بمقدر تقديره فأخذها يجعلها حطبا لتستعمل في الوقود .

والحديث استدل به من يقول بحجية شرع من قبلنا هل هو شرع لنا وفيه خلاف معروف في أصول الفقه ليس هنا موضع بحثه .

وفيه اثبات كرامات الأولياء . وفضل التوكل على الله تعالى . وفيه جواز التجارة في البحر. وفيه القرض إلى أجل دون لا فرق بين شهر ونصفه وهومشكل من حيث تفير الأسواق .وفيه ان ما استخرج من البحر والنهر لا يجب فيه الصدقة أو الخمس وهو قول الجمهور . وفيه أن معلم العلم يخبر بالقصص التي تحث على الأمانة والتوكل على الله تعالى ونحو ذلك .

وفيه تعريف اللقطة وذكر الأوصاف والقرائن الدلة عليها.

وفيه ذكر قصص بني إسرائيل للإتعاظ وأخذ العبر . وفيه أن بني إسرائيل ليسوا سواء قال الله تعالى " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون".

وفيه فضل الرجلين الذين في القصة من بني إسرائيل وأن بعض الأزمنة والأمكنة يوجد فيهم من هو على مثل هذه الصفات الحميدة.

ليست هناك تعليقات:

الحقوق محفوظة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.