الجمعة، 1 يوليو 2011

" احتلبوا هذا اللبن بيننا "

قال الإمام مسلم في صحيحه رقم 2055 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوّار حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن المقداد قال

: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبتْ أسماعنا وأبصارنا من الجَهد. فجعلنا نعرِض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فليس أحد منهم يقْبَلنا فأتينا النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعْنُز فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" احتلبوا هذا اللبن بيننا ". قال فكُنّا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه .ونرفع للنبي صلى الله عليه و سلم نصيبه قال فَيَجيءُ من الليل فيُسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويُسمع اليقظان .قال ثم يأتي المسجد فيصلي .ثم يأتي شرابه فيشرب .فأتاني الشيطانُ ذات ليلة وقد شربتُ نصيبي فقال: محمد يأتي الأنصار فيُتْحفُونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجُرْعة .فأتيتُها فشربتُها .فلما أن وَغَلتْ في بطني وعلمت أنه ليس إليها سبيل. قال ندّمَني الشيطان .فقال ويحك ما صنعتَ ؟ أشربتَ شرابَ محمد ؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلِك. فتذهب دنياك وآخرتك .وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي .وإذا وضعتها على رأسي خرج قدمايَ وجعل لا يجيئني النوم .وأما صاحبايَ فناما ولم يصنعا ما صنعت .قال فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فسلم كما كان يسلم .ثم أتى المسجد فصلى .ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك فقال:" اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني ". قال فعمَدتُ إلى الشملة فشددتها عليّ. وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه و سلم .فإذا هي حافلة وإذا هن حُفّل كلهن .فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه و سلم ما كانوا يطمَعُون أن يحتلبوا فيه .قال فحلبت فيه حتى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :"أشربتم شرابكم الليلة ؟ ". قال قلت :يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد رَوِىَ وأصبتُ دعوته ضحكتُ حتى ألقيت إلى الأرض قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" إحدى سوآتك يا مقداد ". فقلت :يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا .فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" ما هذه إلا رحمة من الله أفلا كنت آذنْتَني فنوقظَ صاحبينا فيصيبان منها ". قال فقلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس.


غريب الحديث أو المفردات:


الجهد : بفتح الجيم هو الجوع والمشقة .


فليس أحد منهم يقبلنا : هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به.


احتلبوا هذا اللبن بيننا .. في مسند أحمد "وعنده أربع أعنز، فقال لي: " يا مقداد، جزئ ألبانها بيننا أرباعا "، فكنت أجزئه بيننا أرباعا".


ما به حاجة إلى هذه الجرعة : هي بضم الجيم وفتحها حكاهما ابن السكيت وغيره وهي الحسوة من المشروب.


وغلت في بطني : بالغين المعجمة المفتوحة أي دخلت وتمكنت منه.


حافلة : الحفل في الأصل الاجتماع قال في القاموس الحفل والحفول والحفيل الاجتماع يقال حفل الماء واللبن حفلا وحفولا وحفيلا إذا اجتمع وكذلك يقال حفله إذا جمعه ويقال للضرع المملوء باللبن ضرع حافل وجمعه حفل بتشديد الفاء المعجمة ويطلق على الحيوان كثير اللبن حافلة بالتأنيث .


رغوة : هي زبد اللبن الذي يعلوه وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات .


اشرب : فعل الأمر للدعاء والسؤال.


إحدى سوءاتك : أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي


ما هذه إلا رحمة من الله: وفي رواية عند أحمد "هذه بركة نزلت من السماء". أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف العادة وهذا اعترف بفضل الله تعالى ، وشكر لنعمته ، واقرار بمنته ، فله الحمد أولا وآخرا ، وباطنا وظاهرا .


الفوائد والعبر


ـ صبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الجوع .


ـ وفيه كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع حاجته للبن .


ـ مشروعية السلام ولو لم يكن أحد.


ـ خفض الصوت بالسلام لمن كان نائما والظاهر لا فرق بين الليل والنهار لأجل العلة وإن كان الحديث يفيد أن فعله للسلام كان بالليل .


ـ شأن قيام الليل عظيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .


ـ مشروعية القيام في المسجد . وعدم الجلوس قبل الركعتين .


ـ الحذر من ووسوسة الشيطان وشراكه. وفضل التراجع للصواب وعدم التمادي في الغلط.


ـ حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقهم له وحبه صلى الله عليه وسلم لهم وعدم الكلفة بينهم .


ـ ما كان عليه النبى صلى الله عليه و سلم من الحلم والأخلاق المرضية والمحاسن المرضية وكرم النفس والصبر والاغضاء عن حقوقه فإنه صلى الله عليه و سلم لم يسأل عن نصيبه من اللبن.


ـ فيه الدعاء للمحسن والخادم ولمن سيفعل خيرا.


ـ وفيه خوف الصحابة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم ومعناه أنه كان عند المقداد بن الأسود الحزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أذهب نصيب النبي صلى الله عليه و سلم وتعرض لأذاه فلما علم أن النبي صلى الله عليه و سلم قد روِىَ وأجيبت دعوته له لا عليه فرح وضحك حتى أسقط أوسقط على الوجهين للفعل " ألقيت " إلى الأرض من كثرة ضحكه لذهاب ما كان به من الحزن وانقلابه مسرورا بشرب النبي صلى الله عليه و سلم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه


ـ وفيه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وجريان ذلك على يد المقداد ألا وهي وجود اللبن في ضرع الشاة مع أنها قد حلبت .


ـ منقبة للمقداد أخرى وهي ظهور المعجزة على يديه ووهو ينظر إليها ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ولم يتفطن المقداد لهذه المعجزة قبل وقوعها وأخذ الدعاء على الظاهر وظن أن المطلوب منه ذبح شاة لوقوع الدعاء عليه فتناسب قول المقداد " والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس" .










ليست هناك تعليقات:

الحقوق محفوظة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.