الجمعة، 29 يوليو 2011

إن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدا "


أخرجه البخاري في عدة مواضع معلقا وموصولا مطولا ومختصرا وله متابعات عند أحمد وغيره

قوله "سأل بعض بني إسرائيل" : قال الحافظ : ولم اقف على اسم هذا الرجل لكن رأيت في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه أن رجلا جاء إلى النجاشي فقال له اسلفنى ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل بك قال الله فأعطاه الألف فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسته الريح فعمل تابوتا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة واستفدنا منه أن الذي اقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الأتباع لهم لا أنه من نسلهم. ا هـ

ورده العيني وأغلظ القول على الحافظ تلميحا لا تصريحا

قلت كلام العيني أوجه وإنما أراد الحافظ بذكر الرواية ندرتها هنا كإيراد الإحتمال في المعدوم . ثم إن الرواية لم تتعرض للذي طلب السلف وإنما ذكرت المقرض فالمقرض كان من المتوكلين على الله تعالى مع أنه خاطر بماله والمقترض أمينا حريصا على رد المال لصاحبه أرسله في اللوح لقوة توكله أيضا مع تحمله تبعات عدم وصوله للمقرض كما في آخر القصة .

فقوله" أن يسلفه " بضم الياء من أسلف إسلافا يقال سلفت تسليفا وأسلفت إسلافا والاسم السلف وهو في المعاملات على وجهين أحدهما القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض غير الأجر والشكر وعلى المقترض رده والعرب تسمي القرض سلفا والثاني هو أن يعطي مالا في سلعة إلى أجل معلوم بزيادة في السعر الموجود عند السلف وذلك منفعة للمسلف ويقال له سلم والمراد ههنا هو المعنى الأول.

قوله" ائتني بالشهداء أشهدهم" : هذا الأصل في تثبيت الحقوق في المعاملات .

قوله " كفى بالله كفيلا، قال: صدقت" : في رواية قال:"نعم" وهي أعظم من الشهداء والمكاتبة . فاما يأتيه حقه في الدنيا وإما يأتيه في الآخرة قد كفله الله تعالى له. في رواية " وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول اللهم اخلفنى وإنما أعطيت لك"

قوله" فأخذ خشبة فنقرها": أي حفرها. وفي رواية "نجر خشبة فجعل المال في جوفها".

قوله " وصحيفة منه إلى صاحبه" : في رواية " من فلان إلى فلان "

قوله " ثم زجج ": قال الحافظ :كذا للجميع بزاى وجيمين .

قال الخطابي أي سوى موضع النقر واصلحه وهو من تزجيج الحواجب وهو حذف زوائد الشعر . ويحتمل أن يكون ماخوذا من الزج وهو النصل كان يكون النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجا ليمسكه ويحفظ ما فيه وقال عياض معناه سمرها بمسامير كالزج أو حشي شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج ـ

قلت والزج هنا سنان الرمح.

قوله "تسلفت فلانا "كذا وقع فيه والمعروف تعديته للمفعول بحرف الجر و في رواية الإسماعيلي "استسلفت من فلان".

قوله "وانى جهدت" : بفتح الجيم والهاء أي بذلت وسعي وعجزت أن أجد مركبا ليوصل المال لصاحبه .

قوله " وإني أستودعكها" : وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستودع الجيش.

قوله "حتى ولجت فيه " بتخفيف اللام أي دخلت في البحر.

قوله "فأخذها لأهله حطبا " فلما نشرها أي قطعها بالمنشار وجد المال وفي رواية " فلما كسرها" وفي رواية " وغدا رب المال يسأل عن صاحبه كما كان يسأل فيجد الخشبة فيحملها إلى أهله فقال اوقدوا هذه فكسروها فانتثرت الدنانير منها والصحيفة فقراها وعرف".

وقوله" حطبا" نصب على أن أخذ من أفعال المقاربة فيعمل عمل كان ويجوز أن يكون منصوبا بمقدر تقديره فأخذها يجعلها حطبا لتستعمل في الوقود .

والحديث استدل به من يقول بحجية شرع من قبلنا هل هو شرع لنا وفيه خلاف معروف في أصول الفقه ليس هنا موضع بحثه .

وفيه اثبات كرامات الأولياء . وفضل التوكل على الله تعالى . وفيه جواز التجارة في البحر. وفيه القرض إلى أجل دون لا فرق بين شهر ونصفه وهومشكل من حيث تفير الأسواق .وفيه ان ما استخرج من البحر والنهر لا يجب فيه الصدقة أو الخمس وهو قول الجمهور . وفيه أن معلم العلم يخبر بالقصص التي تحث على الأمانة والتوكل على الله تعالى ونحو ذلك .

وفيه تعريف اللقطة وذكر الأوصاف والقرائن الدلة عليها.

وفيه ذكر قصص بني إسرائيل للإتعاظ وأخذ العبر . وفيه أن بني إسرائيل ليسوا سواء قال الله تعالى " ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون".

وفيه فضل الرجلين الذين في القصة من بني إسرائيل وأن بعض الأزمنة والأمكنة يوجد فيهم من هو على مثل هذه الصفات الحميدة.

السبت، 23 يوليو 2011

النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة لله تعالى

عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

أخرجه البخاري 15 ومسلم 44

هذا الحديث من جوامع الكلم فقد جمع معاني كثيرة

والحديث فيه أن محبته صلى الله عليه وسلم محبة شرعية قائمة على الإختيار لا الفطرة فيجب على المسلمين أن يقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم وأموالهم وآبائهم وأمهاتهم وأولادهم والناس أجمعين وثواب هذه المحبة الحشر في زمرته صلى الله عليه وسلم و:"المرء مع من أحب". و:"المرء على دين خليله".

وكما قال تعالي : {قل إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } أي: فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم؛ ولهذا قال: ( حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )

وقال تعالي : {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين } .

وأخرج البخاري 6632 عن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك " فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"الآن يا عمر".

وإنه مما يؤسف جدا أن لا ينتفض بعض الناس والطوائف والدول لنصرة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باليد أو المال واللسان ـــ وهاتين الأخيرتين أقوى فاعلية وأنكى وهي البركة والنصرة لأصحاب الأموال والإقتصاد أفرادا ومؤسسات خاصة وعامة في أموالهم وشركاتهم ومؤسساتهم وأنفسهم وأولادهم ووالله لن يجدوا السعادة في غيرها ــــ

فأينهم من حرق المصحف والرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولماذا لم ينتفضوا كإخوانهم الذين سيروا المظاهرات وقاطعوا السلع ولماذا انتفض البعض للقباب والأضرحة والمعابد الوثنية ــ مع التكريم لأصحاب القبور من باب إكرام الميت ــ فأينهم من النصوص الصحيحة الواضحات وإعتقاد الأئمة المتبوعين من الصحابة ومن تبعهم إلى يوم الدين والإنتماء لها .

فقد تركوا هذا ولم يلتفتوا إليه وزلت بهم المواقف فوجدوا أنفسهم في غير سفينة المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فتخطفتهم الأهواء وزلت بهم الأقدام .

وهكذا من لم يكن حبله ممدودا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم انقطع وسقط ومن كان حبله ممدودا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم رفع الله تعالى ذكره .

أسأل الله العلي الكريم السلامة وأن يهديهم الله تعالى للرشد .

الأربعاء، 20 يوليو 2011

الأجوبة عن الأسألة

ـ س / " من قال في رجب وشعبان ورمضان فيما بين الظهر والعصر : أ ستغفر الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب إليه أوحى الله أن أحرقوا كتاب سيئاته من ديوان صحيفته "



ج/ هذا الحديث متداول عند بعض العامة ومصدره بلاد فارس ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف .

والله اعلم .

س/ حديث "قال بسم الله وبه بدينا "

ج / صحيح

قال الضياء في المختارة 2159 أخبرنا أبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد الثقفي بأصبهان أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم قراءة عليه أبنا أحمد بن محمود الثقفي أبنا محمد بن إبراهيم بن المقرئ أبنا أبو عروبة هو الحسين بن أبي معشر الحراني وما كتبته إلا عنه حَدَّثَنا عمرو بن هشام حَدَّثَنا محمد بن سلمة عن الفزاري عن سليمان التيمي عن أنس قال أول من ضرب في الخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ المعول بيديه جميعا ثم قال بسم الله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا ألا لحبذا ربا وحبذا دينا ثم ضرب".

قلت : وهذا إسناد جيد والفزاري هو أبو إسحاق وهوثقة .

وأخرجه الحارث في مسنده مرسلا ـ زوائد الحارث 690 للهيثمي ـ قال حدثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق عن سليمان التيمي عن أبي عثمان قال : ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الخندق ثم قال ... بسم الله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا ... حبذا ربا وحبذا دينا" .

قلت : وهذا سند صحيح إلا أنه مرسل وعندي مرسل أبي عثمان حسن .

وله وجه آخر ضعيف ذكرت تخريجه في كتابي المقالات .

س/" إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة : فأما لمة الشيطان فإيعاذ بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنه من الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ....الآية"


ج / حسن أخرجه الترمذي وغيره وسند معلول لكن الحديث حسن لغيره فله طريق اخرجها ابن مردويه ذكرها الحافظ ابن كثير في التفسير في سورة البقرة وفي سنده راو مجهول ــ ولم يتنبه لها الشيخ الالباني رحمه الله تعالى في المشكاة ولا في هداية الرواة ــ

ثم انه لا يقال من قبيل العقل ".

س/ حديث"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مسلم؟جزاكم"

ج/ حسن صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجة عن ابن عمرو و البراء وله شواهد من حديث ابن عباس وجابر وابي هريرة

وعلله مما ينجبر بغيره

س/ الدعاء بالستر يوم القيامة "اللهم استرني فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض"

ج/ لا أعرفه مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن من مارواه البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " والله أعلم

س/ حديث " قال الله تعالي لموسي عليه السلام ..يا موسي خمس كلمات ان عملت بهن نفعك العلم كله والا تعمل بهن لا ينفعك من العلم شيئا ..يا موسي كن واثقا من رزق مضمون لك مادامت خزائني مملوءة لا تنفذ ابدا ..يا موسي لا تنظر عيب غيرك مادام فيك عيب والمرء لا يخلو من عيب ابدا ..يا موسي لا تدع محاربة الشيطان مادامت روحك في بدنك فانه لايدع محا......ربتك ابدا ..يا موسي لا تخف ذا سلطان مادام سلطاني باقيا وسلطاني باق لا يزول ابدا ..يا موسي لا تامن مكري حتي تري نفسك في الجنة ففي الجنة اصاب ما اصاب ادم فلا تامن مكري"


ج / لم أجده مسندا




الجمعة، 15 يوليو 2011

يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار

ـ عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : بالنباوة أو بالنباة يقول :" يوشك أن تعرفوا لأهل الجنة من أهل النار ، قالوا : يا رسول الله ، بم ؟ قال :" بالثناء الحسن ، والثناء السيئ".


أخرجه البزار 1134قال حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا شجاع بن الوليد ، قال : ثنا هاشم بن هاشم ،عنه ...به .

وقال وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، ولا نعلم رواه عن سعد إلا عامر ، ولا عن عامر إلا هاشم بن هاشم ، ولا عن هاشم بن هاشم إلا شجاع ، ولم نسمعه إلا من الحسن بن عرفة.

قلت : وسنده حسن وله شاهد حسن في الشواهد ويحتمل التحسين عند ابن ماجة 4221 وابن حبان 7384 وغيرهما عن نافع بن عمر الجمحي عن أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالنباوة أو النباوة " قال والنباوة من الطائف " قال : " يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار " . قالوا بم ذاك ؟ يا رسول الله قال :" بالثناء الحسن والثناء السيء . أنتم شهداء الله بعضكم على بعض ".

ونقل ابن عساكر في تاريخه ترجمة الدارقطني عن الدارقطني قال : قال الدارقطني هذا حديث غريب من حديث أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه تفرد به أمية بن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي عنه وتفرد به نافع بن عمر الجمحي عن أمية.

قال السندي في حاشية مسند الامام أحمد قال السندي: "بالثناء السيئ....": أي فمن أثنيتم عليه ثناء جميلا، فهو من أصحاب الجنة. قيل: هذا مخصوص بالصحابة، وقيل: بمن كان على صفتهم في الإيمان، وقيل: هذا إذا كان الثناء مطابقا لأفعاله، وقال النووي: الصحيح أنه على عمومه وإطلاقه، فكل مسلم مات، فألهم الله تعالى الناس أومعظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، إذ العقوبة غير واجبة، فإلهام الله الثناء عليه دليل على أنه ثناء المغفرة له، والله تعالى أعلم.


قلت كلام النووي هو الراجح لكن قوله يوشك لا تدل على التحقيق ولكنها تدل على القرينة المرجحة .

قال ابن تيمية فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة، وأما من لم يشهد له بالجنة، فقد قال طائفة من أهل العلم : لا نشهد له بالجنة ولا نشهد أن الله يحبه، وقال طائفة : بل من استفشى من بين الناس إيمانه وتقواه، واتفق المسلمون على الثناء عليه،كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي ، وكان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدبهم، وهو صبي، فكان المؤدب يقول له : قل : ثالث ثلاثة، فيقول معروف : بل هو الواحد، فضربه المعلم على ذلك ضربا مبرحا فهرب منه وكان أبواه يقولان : ليته يرجع إلينا على أي دين شاء فنوافقه عليه . فرجع فدق الباب فقيل : من بالباب ؟ فقال : معروف، فقيل له : على أي دين ؟ فقال : على الإسلام، فأسلم أبواه، وكان مشهورا بإجابة الدعوة، توفى سنة مائتين، وقيل : إحدى ومائتين، وقيل غير ذلك . وعبد الله بن المبارك رضي الله عنهم وغيرهم، شهدنا لهم بالجنة؛ لأن في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال : " وجبت، وجبت " ، ومر عليه بجنازة، فأثنوا عليها شرا، فقال : " وجبت، وجبت " . قالوا : يا رسول الله، ماقولك : وجبت، وجبت ؟ قال : " هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت : وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت : وجبت لها النار " ، قيل : وإذا علم هذا فكثير من المشهورين بالمشيخة في هذه الأزمان، قد يكون فيهم من الجهل والضلال والمعاصي والذنوب ما يمنع شهادة الناس لهم بذلك، بل قد يكون فيهم المنافق والفاسق، كما أن فيهم من هو من أولياء الله المتقين، وعباد الله الصالحين، وحزب الله المفلحين، كما أن غير المشائخ فيهم هؤلاء . وهؤلاء في الجنة،والتجار والفلاحون وغيرهم من هذه الأصناف .

إذا كان كذلك فمن طلب أن يحشر مع شيخ لم يعلم عاقبته كان ضالا، بل عليه أن يأخذ بما يعلم، فيطلب أن يحشره الله مع نبيه والصالحين من عباده . كما قال الله تعالى : {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } ، وقال الله تعالى : {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } ، وعلى هذا فمن أحب شيخا مخالفا للشريعة كان معه، فإذا دخل الشيخ النار كان معه، ومعلوم أن الشيوخ المخالفين للكتاب والسنة أهل الضلال والجهالة، فمن كان معهم كان مصيره مصير أهل الضلال والجهالة، وأما من كان من أولياء الله المتقين : كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، فمحبة هؤلاء من أوثق عرى الإيمان، وأعظم حسنات المتقين .

الخميس، 7 يوليو 2011

هل تدري أي العلم أول أن يرفع





أخرج أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان والحاكم وغيرهم واللفظ لأحمد عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي قال: حدثنا جبير بن نفير، عن عوف بن مالك أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات يوم، فنظر في السماء، ثم قال: " هذا أوان العلم أن يرفع "، فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد: أيرفع العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله، وقد علمناه أبناءنا ونساءنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كنت لأظنك من أفقه أهل المدينة "، ثمذكر ضلالة أهل الكتابين، وعندهما ما عندهما من كتاب الله عز وجل، فلقي جبير بن نفير شداد بن أوس بالمصلى، فحدثه هذا الحديث عن عوف بن مالك فقال: صدق عوف، ثم قال: " وهل تدري ما رفع العلم ؟ " قال: قلت: لا أدري . قال: " ذهاب أوعيته " . قال: " وهل تدري أي العلم أول أن يرفع ؟ " قال: قلت: لا أدري . قال: " الخشوع، حتى لا تكاد ترى خاشعا "


قلت : هذا حديث صحيح الإسناد وأخرجه الترمذي من مسند أبي الدرداء لكن في سنده كاتب الليث وهو كثير الغلط وقول الترمذي يشير لعدم تفرد كاتب الليث به ولم أجد المتابعة المشار إليها مع أني وجدت كاتب الليث رواه أيضا من حديث عوف بن مالك عند ابن أبي عاصم والطبراني كلاهما في الأوائل مما يدل على سوء حفظه رحمه الله تعالى .


ولست في صدد مناقشة قول الترمذي رحمه في حديث كاتب الليث " حسن غريب " فقد ناقشتها في تعليقي على النزهة للحافظ ابن حجر وذكرت احتمالا ثالثا لها.


على كل ليس لها تأثير في صحة الحديث .


وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق أخرى عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : "أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا يرى فيه خاشعا".


قلت : وفرج ضعيف ومع ذلك تساهل البعض فحسن سنده .


والحديث أخرجه أحمد من مسند زياد بن لبيد عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقال: " وذاك عند أوان ذهاب العلم " قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة قال: " ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء ".


قلت : والظاهر أنه منقطع سالم لم يسمع من زياد .


وله شاهد حسن في الشواهد عند الطبراني في الكبير من حديث وحشي رضي الله عنه .


الحديث فيه دلالة :


ـ على أن الخشوع ثمرة من ثمار العلم سواء كان في حالة الصلاة أو جميع الحالات الأخرى الظاهرة والباطنة .


وفيه حث بين على إظهار الخشوع المخبر عن حالة القلب.


والحديث يفسر العلم بالقرآن وتدخل السنة تباعا.


ويمكن أن يخفى بعض العلم عن بعض العلماء دون البعض الآخر .


وفيه التحذير من الوقوع في الفتن .


وفيه الخشوع والخوف من الله تعالى أحد عوامل الوقاية من الفتن نسأل الله تعالى السلامة والتوفيق في الإبانة .


والحديث محمول على آخر الزمان بقبض العلماء أي موتهم .






الجمعة، 1 يوليو 2011

" احتلبوا هذا اللبن بيننا "

قال الإمام مسلم في صحيحه رقم 2055 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوّار حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن المقداد قال

: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبتْ أسماعنا وأبصارنا من الجَهد. فجعلنا نعرِض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فليس أحد منهم يقْبَلنا فأتينا النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعْنُز فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" احتلبوا هذا اللبن بيننا ". قال فكُنّا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه .ونرفع للنبي صلى الله عليه و سلم نصيبه قال فَيَجيءُ من الليل فيُسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويُسمع اليقظان .قال ثم يأتي المسجد فيصلي .ثم يأتي شرابه فيشرب .فأتاني الشيطانُ ذات ليلة وقد شربتُ نصيبي فقال: محمد يأتي الأنصار فيُتْحفُونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجُرْعة .فأتيتُها فشربتُها .فلما أن وَغَلتْ في بطني وعلمت أنه ليس إليها سبيل. قال ندّمَني الشيطان .فقال ويحك ما صنعتَ ؟ أشربتَ شرابَ محمد ؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلِك. فتذهب دنياك وآخرتك .وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي .وإذا وضعتها على رأسي خرج قدمايَ وجعل لا يجيئني النوم .وأما صاحبايَ فناما ولم يصنعا ما صنعت .قال فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فسلم كما كان يسلم .ثم أتى المسجد فصلى .ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك فقال:" اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني ". قال فعمَدتُ إلى الشملة فشددتها عليّ. وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه و سلم .فإذا هي حافلة وإذا هن حُفّل كلهن .فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه و سلم ما كانوا يطمَعُون أن يحتلبوا فيه .قال فحلبت فيه حتى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :"أشربتم شرابكم الليلة ؟ ". قال قلت :يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد رَوِىَ وأصبتُ دعوته ضحكتُ حتى ألقيت إلى الأرض قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" إحدى سوآتك يا مقداد ". فقلت :يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا .فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" ما هذه إلا رحمة من الله أفلا كنت آذنْتَني فنوقظَ صاحبينا فيصيبان منها ". قال فقلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس.


غريب الحديث أو المفردات:


الجهد : بفتح الجيم هو الجوع والمشقة .


فليس أحد منهم يقبلنا : هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به.


احتلبوا هذا اللبن بيننا .. في مسند أحمد "وعنده أربع أعنز، فقال لي: " يا مقداد، جزئ ألبانها بيننا أرباعا "، فكنت أجزئه بيننا أرباعا".


ما به حاجة إلى هذه الجرعة : هي بضم الجيم وفتحها حكاهما ابن السكيت وغيره وهي الحسوة من المشروب.


وغلت في بطني : بالغين المعجمة المفتوحة أي دخلت وتمكنت منه.


حافلة : الحفل في الأصل الاجتماع قال في القاموس الحفل والحفول والحفيل الاجتماع يقال حفل الماء واللبن حفلا وحفولا وحفيلا إذا اجتمع وكذلك يقال حفله إذا جمعه ويقال للضرع المملوء باللبن ضرع حافل وجمعه حفل بتشديد الفاء المعجمة ويطلق على الحيوان كثير اللبن حافلة بالتأنيث .


رغوة : هي زبد اللبن الذي يعلوه وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات .


اشرب : فعل الأمر للدعاء والسؤال.


إحدى سوءاتك : أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي


ما هذه إلا رحمة من الله: وفي رواية عند أحمد "هذه بركة نزلت من السماء". أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف العادة وهذا اعترف بفضل الله تعالى ، وشكر لنعمته ، واقرار بمنته ، فله الحمد أولا وآخرا ، وباطنا وظاهرا .


الفوائد والعبر


ـ صبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الجوع .


ـ وفيه كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع حاجته للبن .


ـ مشروعية السلام ولو لم يكن أحد.


ـ خفض الصوت بالسلام لمن كان نائما والظاهر لا فرق بين الليل والنهار لأجل العلة وإن كان الحديث يفيد أن فعله للسلام كان بالليل .


ـ شأن قيام الليل عظيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .


ـ مشروعية القيام في المسجد . وعدم الجلوس قبل الركعتين .


ـ الحذر من ووسوسة الشيطان وشراكه. وفضل التراجع للصواب وعدم التمادي في الغلط.


ـ حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقهم له وحبه صلى الله عليه وسلم لهم وعدم الكلفة بينهم .


ـ ما كان عليه النبى صلى الله عليه و سلم من الحلم والأخلاق المرضية والمحاسن المرضية وكرم النفس والصبر والاغضاء عن حقوقه فإنه صلى الله عليه و سلم لم يسأل عن نصيبه من اللبن.


ـ فيه الدعاء للمحسن والخادم ولمن سيفعل خيرا.


ـ وفيه خوف الصحابة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم ومعناه أنه كان عند المقداد بن الأسود الحزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أذهب نصيب النبي صلى الله عليه و سلم وتعرض لأذاه فلما علم أن النبي صلى الله عليه و سلم قد روِىَ وأجيبت دعوته له لا عليه فرح وضحك حتى أسقط أوسقط على الوجهين للفعل " ألقيت " إلى الأرض من كثرة ضحكه لذهاب ما كان به من الحزن وانقلابه مسرورا بشرب النبي صلى الله عليه و سلم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه


ـ وفيه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وجريان ذلك على يد المقداد ألا وهي وجود اللبن في ضرع الشاة مع أنها قد حلبت .


ـ منقبة للمقداد أخرى وهي ظهور المعجزة على يديه ووهو ينظر إليها ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ولم يتفطن المقداد لهذه المعجزة قبل وقوعها وأخذ الدعاء على الظاهر وظن أن المطلوب منه ذبح شاة لوقوع الدعاء عليه فتناسب قول المقداد " والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس" .










الحقوق محفوظة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.