الثلاثاء، 19 أبريل 2011

فضل مجالس وحلق الحديث النبوي

عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".
أخرجه البخاري 66 ومسلم 2176
قوله: "عن أبي واقد" صاحب النبِي صلى الله عليه وسلم.
سَماهُ البخَارِي وغيْره: الحارث بن عوف.الحارث بن مالك، وقيل ابن عوف، وقيل عوف بن الحارث، ,و قال البخاري وغيره شهد بدرا ,قال ابن حجر :وليس له في البخاري غير هذا الحديث. قلت :وهو كما قال .
قوله "في المسجد والناس" المراد المسجد النبوي والناس المراد بهم الصحابة .
قوله: "ثلاثة نفر" النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزا للجمع كقوله تعالى :"تسعة رهط" قوله: "فأقبل اثنان" بعد قوله: "أقبل ثلاثة " هما إقبالان، كأنهم أقبلوا أولا من الطريق فدخلوا المسجد مارين فإذا ثلاثة نفر يمرون، فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهبا.
ويدل له حديث أنس عند الحاكم والبزار والضياء بإسناد لا بأس به , أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يعظ أصحابه فإذا ثلاثة نفر يمرون فجاء أحدهم فجلس إلى النبي صلى الله عليه و سلم و مضى الثاني قليلا ثم جلس و أما الثالث فمضى على وجهه فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" أما هذا الذي فجلس إلينا فإنه تاب فتاب الله عليه و أما الذي مضى قليلا ثم جلس فإنه استحي فاستحي الله منه وأما الذي مضى على وجهه فإنه استغنى فاستغنى الله عنه".  
قال الحافظ :ولم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية واحد من الثلاثة المذكورين.
قوله: "فوقفا" زاد مالك في الموطأ والترمذي : "فلما وقفاسلما " ويستفاد منه أن الداخل يبدأ بالسلام، وأن القائم يسلم على القاعد، وإنما لم يذكر رد السلام عليهما اكتفاء بشهرته، أو يستفاد منه أن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد. ولم يذكر أنهما صليا تحية المسجد إما لكون ذلك كان قبل أن تشرع أو كانا على غير وضوء أو وقع فلم ينقل للاهتمام بغير ذلك من القصة أو كان في وقت كراهة ،أو أنها ليست واجبة .
قوله: "فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو " على " بمعنى عند.
قوله: "فرجة" بالضم والفتح معا هي الخلل بين الشيئين. والحلقة بإسكان اللام كل شيء مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين، وحكي فتح اللام في الواحد وهو نادر.
وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وفيه أن من سبق إلى موضع منها كان أحق به.
قوله: "وأما الآخر" بفتح الخاء المعجمة، وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لإطلاقه هنا على الثاني.
قوله: "فأوى إلى الله فآواه الله" قال القرطبي وكذا قال النووي : الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني وهو المشهور في اللغة، وفي القرآن :"إذ أوى الفتية إلى الكهف". بالقصر، وقال الله تعالى: "وآويناهما إلى ربوة" بالمد، وحكي في اللغة القصر والمد معا فيهما. ومعنى أوى إلى الله لجأ إلى الله، أو على الحذف أي انضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى فآواه الله أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه. وفيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة، كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة، وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ، فإن خشي استحب الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني. وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير.
قوله: "فاستحيا" أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم وممن حضر ، وقد بين أنس في روايته سبب استحياء هذا الثاني فلفظه عند الحاكم: "ومضى الثاني قليلا ثم جاء فجلس " فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث.
قوله: "فاستحيا الله منه" أي رحمه ولم يعاقبه.
قوله: "فأعرض الله عنه" أي سخط عليه، وهو محمول على من ذهب معرضا عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لعذر، هذا إن كان مسلما، ويحتمل أن يكون منافقا، واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره، كما يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "فأعرض الله عنه " إخبارا أو دعاء.ووقع في حديث أنس :" وأما الذي مضى على وجهه فإنه استغنى فاستغنى الله عنه". وهذا يرشح كونه خبرا. وهل هو في حق من أعرض عن مجلس العلم الذي يعلم فيه القرآن والسنة وقوال سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم . إن كان استكبارا فنعم وإلا فهو مفرط في خير كثير .
وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة، وفي الحديث فضل ملازمة حلق العلم والذكر وجلوس العالم فيه لأصحابه وغيرهم في موضع بارز ظاهر للناس والمسجد أفضل فيذاكرهم العلم والخير ، وفيه الثناء على المستحي. والجلوس حيث ينتهي به المجلس والجالس فيها أفضل.
وكل ما وقع من الصفات فالصحيح في مذهب السلف عدم تأويلها إلا بنص من كتاب أوسنة فقط مع علمنا بلغتها والخوض بغير الذي ذكرت خوض في الغيب بلا حجة ولا برهان قال الله تعالى :" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " .
والله تعالى أعلم.


الحقوق محفوظة. يتم التشغيل بواسطة Blogger.